من تواضع لله رفعه
من الثوابت الإسلامية التي قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبقها في سيرته العطرة " من تواضع لله رفعه الله " ؛ فحينما تلعثم أحد الناس في مخاطبته صلى الله عليم وسلم، دعاه إلى أن يهوّن على نفسه، وعرفه بنفسه في تواضع بأنه ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد (اللحم المجفف) مع العلم برفعة النبوة والرسالة، وما يستتبع ذلك من علو المنزلة عند الله تعالى، وضخامة المسؤولية وعظمة القيادة. ومن مظاهر هذا التواضع أنه عليه الصلاة والسلام، كان يجالس أصحابه، ويرشدهم بلطف، ويستشيرهم، ويقبل أعذارهم، ويعينهم على تكاليف الحياة، ويستعين بهم في إدارة شؤون المسلمين وتعليمهم القرآن والأحكام، ويجيب دعواتهم، ويعود مرضاهم، ويصلي على الموتى منهم، وحينما لم يخبَر بموت المرأة التي كانت تقمّ المسجد صلى عليها في قبرها، وبه صلى الله عليه وسلم اقتدى خلفاء الإسلام، وأمراء الشعوب الإسلامية.
والتواضع بلا ريب يتطلب العدل، وإقامة الحق، وتحقيق الحرية، وإشاعة الأمن ، وهي عناصر أساسية لتأسيس الدول، والرقي بالأمة، وهي مرتكزات شرعية مأمور كل مسلم بتثبيت قواعدها؛ فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما جاء في الأثر، وإننا إذا أدركنا هذه الحقيقة اتضح لنا مدى عمق أزماتنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومسؤولياتنا الشرعية عنها. فالسلبية، وعدم المبالاة، وضعف الوعي الديني، والإفراط في التساهل، وحب الحياة، وكراهية الموت بعزة و شرف ، والامتثال لشيخ القبيلة الراعي لمصالحها، كل ذلك يرشح الأمة للانهزام أمام الطغاة في تمزيق الأمة، وإراقة دمائها، وتهجير كفاءاتها، وإفساد أخلاقها، وتبديل دينها، وتبديد ثرواتها، وتأهيلها لسيطرة عدوها عليها.
لقد رأينا في هذا العصر طغاة عربا وظفوا للحرب على الإسلام بدعاوى الريادة القومية، والتحرر الأخلاقي، والتنظير الفكري، والرقي الاقتصادي، وما الهدف الحقيقي إلا الانفراد بالزعامة وتوارثها، وتبذير ثروات الأمة لصالح غيرها، ولدوام تأخرها، و للحرب على الإسلام؛ فهي ورقتهم الرابحة.
ومسالك الطغاة كثيرة؛ فمنهم من قاد الحروب الدامية الخاسرة، ومنهم من قسم الدولة الواحدة، ومنهم أطلق العنان لأتباعه ليتباكوا على متحف رد إلى أصله مسجدا، وصعد على ظهر الكعبة، لا ليكبر الله ويعظمه، ولا ليكسوها أجمل الأثواب وأحسنها، والله أعلم بسوء طويته، فحرمه الله أن يعمر البيت ويحج في عهده، وسلبه أموال النفط، وسلطه على أبناء عمومته الذين سبقوه في الكيد لعلماء الأمة ودينها، وأخزاه وفضح جرائمه وهو في أول الدرج لعله يرعوي، فلات ساعة مندم.
إن المتحف الذي يبكون عليه بكاه من قبلهم المتعصبون وقتلة المسلمين وهم يصلون ؛ فقال شاعرهم:
أدمى الكنائس إن تكن عبثت بكم أيدي البرية، أو تغيرَ حال
فلطالما سجدت لكنّ شمامس شم الأنوف عوابس أبطال
فرد عليه شاعر حر، مشطرا بيتيه:
أدمى الكنائس إن تكن عبثت بكم أمم بهمتهم تدك جبال
أو إن تكن ألحقت بكم الأذى أيدي البرية أو تغير حال
فلطالما سجدت لكنّ شمامس عبدوا الصليب وللضلالة مالوا
فأبادهم رب العباد بمن همو شم الأنوف عوابس أبطال
وشتان بين من يعمر مساجد الله، ومن يهينها, وأتباعه يتوعدون الحجاج والعمار بنشر الخمور والفجور حول المسجد الحرام، ويتجاهلون الشرفاء من سكان حرم الله وقطانه، وأبناء المهاجرين والأنصار في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلهم مسؤولون، وكلهم مسؤول عن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم.