الماء من نعم الله الكبرى التي تحمل دلالة كبيرة على قدرة الله وعظمته. ويكفي المرء دليلا على ذلك قول الله-عز وجل- في سورة (الأنبياء:30):" وجعلنا من الماء كل شيء حيّ". ولو تصورنا مجتمعا يفتقد الماء في حياته, فإننا سنتساءل: ماذا يأكلون, ويشربون؟ وماذا يتنفسون؟ وكيف يغتسلون, ويغسلون ثيابهم؟ وكيف ينظفون بيوتهم وأدواتهم؟ بل كيف تحيا أجسادهم؟ فالإجابة عن هذه الأسئلة ينفي إمكانية وجود كائن حي لا يخالط الماء خلاياه, أو لا يخالط طعامه وشرابه, وهو فوق ذلك محتاج لإساغة الطعام, وتلطيف حرارة جسده وحرارة الأجهزة التي تتفاعل داخله, ومنها الدماغ. فخصائص الماء عظيمة, ومنافعه كبيرة, وقد يسره الله لخلقه كالهواء والنور لا يسيطر عليه أحد من خلقه حتى لا يعطل الحياة. ومما تتميز به التعاليم الإسلامية الدعوة إلى الاقتصاد في الماء فذلك ممكن, فما أكثر ما يعيش أهل الصحارى على الماء القليل.
وتعمل الشعوب على الحصول على الماء بطرق البحث عنه, والإقامة حوله, وإنشاء محطات تحلية المياه من البحار والمحيطات, ومصارعة الغير من أجل الحفاظ عليه, وعقد الاتفاقيات بشأن مياه الأنهار التي تخترق دولهم, ومع ذلك نجد كثيرا من الناس يسرفون في استعمال المياه في بيوتهم, وفي أعمالهم, وفي مزارعهم. نرى ذلك بكل مرارة في غسيل سياراتهم, ورش الطريق أمام بيوتهم, بل ما أكثر ما نرى أنابيب المياه تتفجر في الشوارع والطرقات والمياه تتجمع على شكل بحيرات, ولا أحد من السكان يبالي بذلك إلى أن يتعذر المرور على الأقدام فيبادر أحد الناس إلى إخطار الجهات المعنية لعلاج الموقف.
إن تعاليم الإسلام تدعو إلى الاقتصاد في الإنفاق في كل شيء, ومن ذلك الاقتصاد في استعمال المياه في الطهارتين الكبرى (الغسل)والصغرى(الوضوء) وحكم الإسراف في الماء فيهما الكراهة, وهو ما يعني نقصان الأجر . وقد حدثني أحد المربين عن حادثة طريفة وقعت له حينما كان يدرس في إحدى البلاد الأوربية. يقول: إنه شرع في الوضوء في ساحة المدرسة تاركا الماء ينسكب من الحنفية, كما يفعل أكثر الناس في وضوئهم , وما هي إلا لحظات حتى فوجئ بالطلاب يطلون من نوافذ الفصول, وهم في غاية العجب مما يشاهدون.